في عالم جديد هل تصبح روسيا حليفة واشنطن على حساب الأوروبيين ؟

"لقد تم إنشاء الاتحاد الأوروبي من أجل خداع الولايات المتحدة، هذا هو الغرض منه، وقد قاموا بعمل جيد في ذلك"، هذه الكلمات لم تخرج من قادة روسيا أو الصين، ولكن جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي أعلن اعتزامه فرض رسوم جمركية والمضي قدما في حرب تجارية مع بروكسل، في أحدث تصعيد بين واشنطن والاتحاد الأوروبي.إعلان ترامب التصعيد تجاه بروكسل، يأتي تزامناً مع تحولات كبرى تشهدها العلاقات بين موسكو وواشنطن، خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد الانخراط في مفاوضات في العاصمة السعودية الرياض؛ سعياً للتوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار في حرب أوكرانيا، ووسط الاستعداد لعقد قمة كبرى تجمع الرئيسين الأمريكي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على الترتيب بالسعودية.تلك التحولات، أثارت قلق القادة الأوروبيين، خاصة وأنها تتزامن مع تهديدات ترامب بالتراجع عن التزامات واشنطن الدفاعية تجاه أوروبا، وانتقاد نائب الرئيس الأمريكي "جيه دي فانس" للحلفاء الأوروبيين بشكل غير مسبوق، حينما قال إن التهديد من الداخل مثير للقلق أكثر من روسيا، في إشارة للأوروبيين، إضافة إلى غيابهم عن محادثات أوكرانيا التي يقودها ترامب بشكل أحادي، فيما اعتُبر تهميشاً فَجاً للدور الأوروبي، حتى أن كيث كيلوج مبعوث الرئيس الأمريكي إلى أوكرانيا للأوروبيين، أكد منتصف شباط/فبراير الجاري، إن إدراجهم في المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا "لن يحدث".انطلاق ترامب وإدارته في المفاوضات مع موسكو، بدون دعوة الأوكرانيين ولا الأوروبيين للمشاركة، أثار قلق الزعماء في العواصم الأوروبية، مثل برلين ولندن وباريس، حيث سارع بعضهم إلى البيت الأبيض؛ لمحاولة إثناء ترامب عن مساعيه، خاصة وأن خطوته هذه تشكل تراجعاً عن تحالف امتد لعقود، لتظهر أسئلة غير مسبوقة، من نوع: إلى أن تسير العلاقات الأوروبية-الأمريكية؟ وهل تجري المصالحة الروسية-الأمريكية على حساب القارة العجوز؟ وهل يُقدم الأوروبيين تنازلات في الفترة المقبلة؟.


تحول جوهري في العلاقة عبر الأطلسي

تقول الكاتبة الصحافية فابيولا بدوي، إن هناك تحولا جوهرياً في طبيعة التحالف والعلاقات عبر الأطلسي، بين القارة الأوروبية والولايات المتحدة، حيث لم تَعد بنفس القوة التي كانت عليها خلال حقبة الحرب الباردة أو حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانتقلت العلاقة من التكامل الاستراتيجي إلى البراغماتية المتوترة.وعن السبب في هذا التحول، تشير بدوي في حديثها لصوت ، إلى أن الولايات المتحدة في العقود الماضية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت تعتبر أوروبا حجر الزاوية في سياستها الخارجية، لكن بعد حرب العراق، وحرب أفغانستان، والأزمة المالية العالمية، بدأت في إعادة تقييم التكاليف الاستراتيجية الخارجية ومنها الإنفاق على قواتها في أوروبا وحلف الناتو، كذلك فإن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن "الناتو منظّمة عفا عليها الزمن" وزيادة تركيز واشنطن على الصين كخصم استراتيجي، أضعفت ثقة الأوروبيين، الذين تعالت أصواتهم مؤخراً بضرورة الاستقلال الدفاعي عن واشنطن، على اعتبار أن دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء "جيش أوروبي مستقل" ليست مجرد شعار، بل جزء من إدراك أوروبي متزايد بأن أمريكا لن تكون حامي أوروبا الدائم.

وسبق أن دعا ماكرون لإنشاء جيش أوروبي مستقل عن التبعية الأمريكية، وبعيداً عن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بالقول: "لن تحترمنا الولايات المتحدة كحلفاء، إلا إذا كانت شؤوننا الدفاعية ذات سيادة. لهذا، على أوروبا بناء استقلالها كما تفعل الصين".

علاقات مصالح لا تحالف

تستطرد الكاتبة الصحافية حول أسباب التحول الجوهري الذي أصاب علاقة بروكسل وواشنطن، بالإشارة إلى التوترات التجارية بين الجانبين، حيث فرض ترامب رسومًا جمركية على الصلب الأوروبي، وهدد بفرض ضرائب على السيارات الألمانية، في الوقت الذي حاول الاتحاد الأوروبي تبنّي سياسات موازنة مع الصين، وهو ما أغضب واشنطن التي تريد اصطفافًا أوروبيًا كاملاً ضد بكين.وفي أحدث تهديداته للكتلة المكونة من 27 دولة، تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية على كل السلع القادمة من أوروبا وفي مقدمتها "واردات السيارات" بنسبة تصل إلى 25%، معتبرًا أن بروكسل استغلت ثروات الأمريكان، وفي نفس الوقت ترفض قبول السيارات والمنتجات الزراعية الأمريكية.وبحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فقد بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي نحو 235 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 13% عن عام 2023، فيما يفرض الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر ثالث أكبر شريك تجاري لواشنطن، رسوماً جمركية بنسبة 10% على السيارات، والتي تمثل قيمتها 4 أضعاف نسبة الرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة البالغة 2.5%، وسط تصاعد انتقادات المسؤولين الأمريكيين من ضرائب القيمة المضافة الأوروبية التي لا تقل عن 17.5%."العلاقات الأوروبية - الأمريكية لم تعد تحالفًا غير مشروط، بل أصبحت قائمة على مصالح متبادلة ومتغيرة، لذلك بدأت أوروبا البحث عن بديل لتحالفها مع واشنطن، إلا أن البديل الفعلي غير واضح حتى الآن"، تضيف فابيولا بدوي.